معشر المسلمين: إنّ الخوف من الله -تعالى- يتعلق بقضيتين؛ الأولى الخوف من عذابه، والثانيّة الخوف منه سُبحانه، والعوام من النَّاس يخافون من النَّار أكثر من خوفهم من الله -تعالى-، وأمّا العُلماء فيكون خوفهم من رّبهم قبل خوفهم من ناره، وقد جاء عن ابن قُدامة مُوضحاً هذا المعنى في مقاميّ الخوف: "المقام الأول الخوف من عذاب الله، وهذا خوف عامّة الناس وهذا النوع من الخوف يحصل بالإيمان بالجنة والنار وكونهما جزاءين على الطاعة والمعصية، المقام الثاني الخوف من الله نفسه -عز وجل- وهو خوف العلماء والعارفين، لأنَّه يكفيهم فقط ثلاث كلمات، وهو قوله -تعالى-: وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّـهُ نَفْسَهُ " | الوصية بتقوى الله عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله ولزوم طاعته، وأحذركم ونفسي من مُخالفته وعصيان أوامره، لِقوله سُبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ، ولقوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا |
---|---|
وهذا عثمانُ رضي الله عنه كان إذا وقفَ على القبرِ بكى حتى يبلَّ لحيتَه رضي الله عنه | والوثنيّون قديماً وحديثاً تُذكر لهم أحوالٌ عجيبة من الخوف الشركي، فيعتقدون أن أصنامهم وآلتهم قادرةٌ على إحداث الضرر في أهل الإيمان والتوحيد، فهذا الخليل إبراهيم عليه السلام قالها في وجه قومه: {ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون} الأنعام: 80-81 ، وذكر الله تعالى عن قوم هود قولهم: {إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء} هود: 54 وقال تعالى: {ويخوفونك بالذين من دونه} الزمر: 36 |
إن منزلة الخوف من الله جل وعلا قد تقهقرت في النفوس وتراجعت في الأفئدة إلى حدٍ عجيب عجيب جداً، ترى كثيراً من الناس يدفنون موتاهم بأيديهم، ثم يخرجون من أبواب المقابر ضاحكين، وترى كثيراً من الناس يرون ما أحل بالخلائق حولهم، وتراهم في أكلهم وشربهم لاهين غافلين، أفأمنوا مكر الله؟ أفأمنوا عقوبة الله؟ أفأمنوا سخط الله؟ إن أمةً من الأمم التي سلفت قد عُذبت بذنبٍ واحد من الذنوب، فكيف بهذه الأمة التي فيها أناس قد استجمعوا ذنوباً عظيمة، استجمعوا أكل الربا والسكوت على المنكرات، وبيع آلات اللهو والطرب، والتجارة بإفساد العقول والأفئدة، والسكوت عن كلمة الحق، وأمورٌ كثيرة، نسأل الله جل وعلا ألا يعذبنا بذنوبنا وألا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.
15إن الخوفَ من اللهِ تعالى من أجلِّ العباداتِ ومن أعظمِ القُرُباتِ، فهو الذي يحُولُ بينَكم وبينَ محارمِ اللهِ- عز وجل- ومعاصِيه، فللهِ ما أعظمَه، وللهِ ما أحوجَنا إليه، وللهِ ما أحسنَ عاقبتَه في الدنيا والآخرةِ؛ إذ بالخوفِ يا عبادَ الله يَنزِعُ العبدُ عن المحرَّماتِ، وبه يُقبِلُ على الطَّاعاتِ، فهو واللهِ أصلُ كلِّ فضيلةٍ، وباعثُ كلِّ قربةٍ | وكما قص علينا النبي صلى الله عليه وسلم قصة ذلك الرجل العاشق لابنة عمه فلما تمكن من الزنا بها قالت له اتق الله فقام عنها خوفاً من الله وترك لها المال فنجاه الله وأصحابه من الغار |
---|---|
الخوف المباح النوع الثاني من أنواع الخوف، الخوف الطبيعي الذي خلقه الله سبحانه وتعالى غريزةً مركوزةً في النفوس، وهي قوة طبيعية لازمة للمحافظة على بقاء النوع الإنساني، ويعبّرون عنها بالغريزة الوجوديّة، أي التي وُجدت من لحظة الخلق الأولى، كما أنها لا تقتصر على الإنسان وحده، بل تشمل جميع الكائنات الحيّة |
فَسَيْرُهُم -رضي الله عنهم- حافلٌ بالعِبَرِ والعِظاتِ، فهذا صدِّيق هذه الأمةِ وأفضلُها بعد نبيِّها -صلى الله عليه وسلم- المبشَّرُ بالجنةِ وعظيم المِنَّة كان إذا قامَ إلى الصلاةِ كأنه عودٌ من خشيةِ اللهِ تعالى.
7