وعن ابْن عَبَّاس رضي الله عنه أيضًا قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ يَشْتَدُّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَمَامَهُ، إِذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسَّوْطِ فَوْقَهُ، وَصَوْتَ الْفَارِسِ يَقُولُ: أَقْدِمْ حَيْزُومُ، فَنَظَرَ إِلَى الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ فَخَرَّ مُسْتَلْقِيًا، فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ، وَشُقَّ وَجْهُهُ كَضَرْبَةِ السَّوْطِ فَاخْضَرَّ ذَلِكَ أَجْمَعُ، فَجَاءَ الْأَنْصَارِيُّ فَحَدَّثَ بِذَلِكَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: « صَدَقْتَ، ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ» صحيح مسلم؛برقم:1763 | وقد قال الله عز وجل في كتابه الكريم في هذه الموقعة: بسم الله الرحمن الرحيم {ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاساً يغشى طائفة منكم} صدق الله العظيم، وقد تم استشهاد 70 مقاتل مسلم في هذه المعركة، ولكن استطاع المقاتلون الاستفادة من هذه الغزوة في عدة أمور وأولها طاعة الرسول والالتزام بأوامره، كما يجب طاعة من يقود المعركة والتزام أوامره ونواهيه، وثانيها الإصرار على الموقف وعدم الاستماع إلى كل ما يقال، وقد وردت الكثير من الآيات القرآنية تخص هذه الغزوة في القرآن الكريم، وقد كشفت هذه الغزوة العديد من المنافقين وبينت نفاقهم للرسول صلى الله عليه وسلم، وكان على رأسهم المنافق عبد الله بن أبي سلول |
---|---|
وقال : «كنت في رهط من جزاهم الله خيرًا، كنا إذا تعشينا أو تغدينا آثروني بالخبز وأكلوا ، والخبز معهم قليل، والتمر زادهم، حتى إن الرجل لتقع في يده كسرة فيدفعها إليَّ»، وكان يقول مثل ذلك ويزيد: «وكانوا يحملوننا ويمشون» | وكان أمية بن خلف أيضًا أراد أنْ يتخلف عن الخروج، وله في ذلك قصة يحكيها سَعْدُ بن مُعَاذٍ رضي الله عنه حيث كَانَ صَدِيقًا لِأُمَيَّةَ بن خَلَفٍ، وَكَانَ أُمَيَّةُ إِذَا مَرَّ بِالْمَدِينَةِ نَزَلَ عَلَى سَعْدٍ بن معاذ، وَكَانَ سَعْدٌ إِذَا مَرَّ بِمَكَّةَ نَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ انْطَلَقَ سَعْدٌ مُعْتَمِرًا فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بِمَكَّةَ فَقَالَ لِأُمَيَّةَ: انْظُرْ لِي سَاعَةَ خَلْوَةٍ لَعَلِّي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ فَخَرَجَ بِهِ قَرِيبًا مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ فَلَقِيَهُمَا أبو جَهْلٍ فَقَالَ: يَا أَبَا صَفْوَانَ مَنْ هَذَا مَعَكَ؟ فَقَالَ: سَعْدٌ، فَقَالَ لَهُ أبو جَهْلٍ: أَلَا أَرَاكَ تَطُوفُ بِمَكَّةَ آمِنًا وَقَدْ أَوَيْتُمْ الصُّبَاةَ وَزَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ تَنْصُرُونَهُمْ وَتُعِينُونَهُمْ أَمَا وَاللَّهِ لَوْلَا أَنَّكَ مَعَ أبي صَفْوَانَ مَا رَجَعْتَ إِلَى أَهْلِكَ سَالِمًا، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ وَرَفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِ: أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ مَنَعْتَنِي هَذَا لَأَمْنَعَنَّكَ مَا هُوَ أَشَدُّ عَلَيْكَ مِنْهُ طَرِيقَكَ عَلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ لَهُ أُمَيَّةُ: لَا تَرْفَعْ صَوْتَكَ يَا سَعْدُ عَلَى أبي الْحَكَمِ سَيِّدِ أَهْلِ الْوَادِي، فَقَالَ سَعْدٌ: دَعْنَا عَنْكَ يَا أُمَيَّةُ فَوَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: « إِنَّهُمْ قَاتِلُوكَ»، قَالَ: بِمَكَّةَ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، فَفَزِعَ لِذَلِكَ أُمَيَّةُ فَزَعًا شَدِيدًا فَلَمَّا رَجَعَ أُمَيَّةُ إِلَى أَهْلِهِ قَالَ: يَا أُمَّ صَفْوَانَ أَلَمْ تَرَيْ مَا قَالَ لِي سَعْدٌ؟ قَالَتْ: وَمَا قَالَ لَكَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ قَاتِلِيَّ، فَقُلْتُ لَهُ: بِمَكَّةَ؟ قَالَ: لَا أَدْرِي، فَقَالَ أُمَيَّةُ: وَاللَّهِ لَا أَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ اسْتَنْفَرَ أبو جَهْلٍ النَّاسَ، قَالَ: أَدْرِكُوا عِيرَكُمْ فَكَرِهَ أُمَيَّةُ أَنْ يَخْرُجَ فَأَتَاهُ أبو جَهْلٍ، فَقَالَ: يَا أَبَا صَفْوَانَ إِنَّكَ مَتَى مَا يَرَاكَ النَّاسُ قَدْ تَخَلَّفْتَ وَأَنْتَ سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِي تَخَلَّفُوا مَعَكَ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ أبو جَهْلٍ حَتَّى قَالَ: أَمَّا إِذْ غَلَبْتَنِي فَوَاللَّهِ لَأَشْتَرِيَنَّ أَجْوَدَ بَعِيرٍ بِمَكَّةَ، ثُمَّ قَالَ أُمَيَّةُ: يَا أُمَّ صَفْوَانَ جَهِّزِينِي، فَقَالَتْ لَهُ: يَا أَبَا صَفْوَانَ وَقَدْ نَسِيتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ الْيَثْرِبِيُّ؟ قَالَ: لَا، مَا أُرِيدُ أَنْ أَجُوزَ مَعَهُمْ إِلَّا قَرِيبًا، فَلَمَّا خَرَجَ أُمَيَّةُ أَخَذَ لَا يَنْزِلُ مَنْزِلًا إِلَّا عَقَلَ بَعِيرَهُ، فَلَمْ يَزَلْ بِذَلِكَ حَتَّى قَتَلَهُ الله عز وجل بِبَدْرٍ صحيح ؛برقم:3950 |
ثم أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالهجوم، فَقَالَ لهم: « قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ»، فقَالَ عُمَيْرُ بن الْحُمَامِ الْأَنْصَارِيُّ: يَا رَسُولَ الله جَنَّةٌ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ؟! ويؤمن أن قلل في أعين و أكثر في أعين.
بلغ عدد كفار قريش نحو ألف محارب ، وتجمع الجيشان وبدأت الاشتباكات الفردية ، فجاء جيش قريش لـ عتبة بن ربيع وشيبة بن ربي ووليد بن شيبة ، ومن بين المحاربين المسلمين طلبوا مبارزة مع أبناء عمومتهم | |
---|---|
وفي أثناء سير وصحبه، التحق أحد المشركين راغبًا بالقتال مع قومه، فردّه الرسول وقال: « ارجع فلن أستعين بمشرك»، وكرّر الرجل المحاولة فرفض الرسولُ حتى أسلم الرجل والتحق بالمسلمين | أحد أسرى قُريش وهو يُعلِّم أولاد المُسلمين لقاء حُريَّته |
ولكن تعجل جيش المسلمون عندما دارت رحى المعركة، حين تمكن الجيش الإسلامي من إلحاق أضرار وخسائر كبيرة في صفوف جيش الكفار، واستطاع حينها أخذ غنائم من الكفار الذين لاذوا بالفرار فانطلق الرماة من أعلى الجبل ليأخذوا نصيبهم في الغنائم، ويشاركوا الجيش الإسلامي في احتفاله بنصره على الكافرين، وذلك بدون إذن قائدهم وهو الرسول صلى الله عليه وسلم، بالرغم من تكليفه إليهم بأن يحرسوا الجيش الإسلامي من الخلف، فلحق بهم جيش الكفار خسائر كبيرة حينذاك، بمعرفة خالد بن الوليد الذي قام باستغلال هذه الفرصة أحسن استغلال بدهاء ومكر عسكري بالغ، وتم تضييق الخناق على المسلمين في تلك اللحظة من قبل الكفار، حتى نالوا من الرسول المكرم عليه الصلاة والسلام وضربوه حتى كُسِرَت سِنَتُه وأنفه، وخضبت الدماء وجهه الكريم، وانقلب الحال إلى النقيض، وبعد هزيمة الجيش الإسلامي للكافرين، دبت الهمهمة والكلمات تتناقل بين صفوف الجيش الإسلامي بأن النبي قد تم قتله، ولكن وجه إليهم الرسول صلى الله عليه وسلم النداء بأن قريش قد ألحقت بهم الهزيمة، وأراد الله أن يخفف عنهم فأهال عليهم النوم فناموا، وقفل الكفار عائدون إلى مكة دون أن يأخذوا أي قسط من الغنائم أو الأسرى.
6