أمَّا الفاقةُ للمَنهجِ العِلميِّ، فتبدو من أمرَينِ: أوَّلُهما: التَّعميمُ، حيثُ يَنسِبون تكفيرَ الدولةِ العُثمانيَّةِ إلى كِتابِ الدُّرَرِ السَّنِيَّةِ، وكأنَّ كُلَّ عُلَمائِها يقولون بذلك، والحَقُّ أنَّ الأمرَ على غيرِ ما يَزعُمون | وعرَّفهم أنَّه لم يكن بيننا وبينهم خلاف له وقعٌ إلَّا في أمرين: أحدهما: إخلاص التوحيد لله تعالى، ومعرفة أنواع العبادة، وأنَّ الدعاء من جملتها، وتحقيق معنى الشرك الذي قاتل الناس عليه نبيُّنا محمد صلى الله عليه وسلم |
---|---|
وأهمِّيَّةُ التأكيدِ على هذه الجُزئيَّةِ تعودُ إلى تَجلِيَةِ حقيقةِ أنَّ تكفيرَ نِظامٍ مُعيَّنٍ ليس أمْرًا مُستنكَرًا من حيثُ الأصلُ، وليس خاصًّا بالدعوةِ السَّلَفيَّةِ، لكن المُستنكَرَ هو التكفيرُ دون مُسوِّغٍ مُعتبَرٍ شَرْعًا | ١٢- كلُّ ما تَقدَّم من صِفاتٍ للكِتابِ وموضوعاتِه وكُتَّابِه وتاريخِ كِتاباتِه يَجعَلُ مِن غيرِ المَنطِقيِّ نِسبةَ قولٍ مُعيَّنٍ إلى مجموعِ الكِتابِ؛ سواءً أكان في العقيدةِ أم الفقهِ أم غيرِه، فالمسألةُ الواحدةُ تتكرَّرُ في المجموعِ مرَّاتٍ عِدَّةً من أشخاصٍ مُختَلِفين وفي تواريخَ مُختلفةٍ وظُروفٍ مُختلِفةٍ وعلى صِفاتٍ مُختلِفةٍ، فمَرَّةً تأتي مَبسوطةً مُحرَّرةً ضِمْنَ كِتابٍ مُستقِلٍّ، فلا يُمكِنُ الاجتزاءُ منه وتركُ سائرِ تَقريراتِه ومُحترَزاتِه وقُيودِه، ومَرَّةً تأتي في شَكْلِ جَوابٍ مُقتضَبٍ عن سؤالٍ، ونَقْصُ قُيودِها ومُحترَزاتِها خاضعٌ لظُروفِ السائلِ والمُجيبِ، ومرَّةً تأتي تعليقًا على قَولٍ أو حدَثٍ مُتقدِّمٍ، والفَهْمُ الصحيحُ العادلُ فيها مُرتبِطٌ ولا بُدَّ من فَهمِ ذلك الحَدَثِ وسوابِقه وتَداعياتِه |
فهي تَبعَثُ الجُنودَ العظيمةَ إلى نَجْدٍ، وتُغدِقُ عليهم المصاريفَ الهائلةَ التي أُخِذَ كثيرٌ منها من المُكوسِ على الأهالي -كما يُفيد ذلك الجَبَرْتِيُّ في تاريخِه- وتَجعَلُ ذلك بذَريعةِ مُحارَبةِ الخوارجِ الكافرين المَلاحِدةِ، كما تقدَّمَ نَقْلُه من مصادِرِه، ونَجِدُ الجُنودَ الذين يُمثِّلون الدولةَ في هذا المشروعِ لا يُقيمون الشَّعائرَ؛ فلا تُعْرَفُ الصلاةُ في مُعسكَرِهم، ويَحمِلون معهم صناديقَ الخَمْرِ، ويَرتكِبون الفواحشَ ولا يتَناهَوْن عنها مُطلَقًا، وحين يَنتصِرون على قريةٍ يَبيعون أهلَها، ويُوقِعون بالنِّساءِ والصِّبيانِ، إلى غيرِ ذلك من الشَّناعاتِ مما لا يَتصوَّرُه عقلُ مُسلمٍ.
2أي: إنَّ اللهَ يُخاطِبُنا بكلامٍ ظاهِرُه الكُفْرُ، تعالى اللهُ عمَّا يقولُ عُلُوًّا كبيرًا | وكانوا يَمنَعون الأَسْرى من الصلاةِ، وقد خلَّدَ ذلك القاضي الحفظي قاضي عسير في قَصيدتِه الطويلةِ التي يصِفُ فيها أحوالَ أَسرِه والذَّهابِ به إلى اسطنبولَ: فلم يَأْذَنوا بالصُّبْحِ والظُّهْرِ بَعْدَهُ ولا العَصْرِ والوقتينِ في ليلِ أَلْيَلِ وكِدنا نُلاقي جَرعةَ المَوتِ حَسْرةً على نَقْصِ دِينٍ بَعْدَ وافي التكَمُّلِ ومَن قرَأ عن هذا الجَيشِ وما فعَلَه في الجَزيرةِ العَربيَّةِ، لا يَخطُر في بالِه أبدًا أنه جَيْشٌ مُسلمٌ جاءتْ به شُبْهةٌ أو مَطمَعٌ سِياسيُّ، ولا أنَّه من المُمكنِ أن يبعَثَ به مُسلمٌ إلى بلادِ مُسلمين، هذا مَن قرَأ، فكيف بمَن سمِعَ وعاينَ؟! واختلافُ العُصورِ لا يقتضي اختلافًا في الخِطابِ فقط، بل في الأحكامِ أيضًا، وهذا بابٌ في أُصولِ الفقهِ لا يَخْفى على طالبِ عِلْمٍ |
---|---|
ومُحصَّلُ كَلامِ هؤلاء أنَّ علامةَ الانفِتاحِ تَلقِّي كلامِهم بالقَبولِ، ومَن هذا مَسلَكُه فهو الأَوْلى بوَصفِ الانغلاقِ ورَفضِ النَّقدِ | وقد ختم المؤلف كتابه بهذا، وكان هذا عرضًا سريعًا له، ويمكننا أن نبرز أهم ما ميّز هذا الكتاب فنقول: 1- إنَّ الكتاب تطرَّق لموضوع مهمٍّ تدعو الحاجة إليه في وقتنا المعاصر |
وقد عنوَن المؤلف لمبحثٍ بعنوان: التكفير، وهو يعدّ واحدًا من أهمِّ مباحث الكتاب، حيث يؤكِّد فيه المؤلف على عددٍ من القضايا المتعلّقة بالتكفير منها: 1- أنَّ أئمة الدَّعوة يصرِّحون بأنَّ تكفير المعين لا يكون إلا بعد وجود الشروط وانتفاء الموانع.
تقديم: قدم له الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء | واللهُ حَسْبُنا ونِعْمَ الوكيلُ، وآخِرُ دَعوانا أنِ الحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمين |
---|---|
ولم يكن عُلَماءُ الدعوةِ غافلين عن وُفودِ الحاكِمِ البِريطانيِّ في الهِنْدِ شَخصيًّا إلى الدرعيَّةِ لتَهنئةِ إبراهيمَ باشا بالقضاءِ على الوَهابيِّين | والثاني: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي لم يبق عندهم إلا اسمه وانمحى أثره ورسمه |
ولمَّا كنتم قد أبلغْتم الدولةَ العَلِيَّةَ في كُتُبِكم الواردةِ إلى دارِ السَّعادةِ بحاجَتِكم إلى الإمداداتِ والمَعوناتِ بسببِ تمكُّنِ المُلحدِ من كَسْبِ سُكَّانِ تلك المناطقِ إلى جانِبِه بكُلِّ الحِيَلِ، بحيثُ لم يعُدْ مُمكِنًا التقرُّبُ من تلك الأطرافِ؛ فإنَّ التقاعُسَ بخُصوصِ هذا الشخصِ المذكورِ محمدِ بنِ عبدِ الوهابِ سيُؤدِّي إلى ظُهورِ حاجةٍ إلى قُوَّاتٍ أكثرَ عَددًا لمُحارَبةِ الشخصِ المذكورِ.
22