والثاني:أنه ضمير القرآن، كانوا يسمرون ويذكرون القرآن بالهجر من الكلام: « إنه سحر، إنه شعر، إنه كهانة » إلى غير ذلك من الأقوال الباطلة | ولذلك عائشة رضي الله فهمت وهي الفصيحة العالمة قال: يا رسول الله هم الذين يسرقون ويزنون ويشربون الخمر؟ قال: لا، بل هم الذين يصومون ويصلّون ويتصدقون ولكن بالرغم من كل هذا ينفقون ويخافون ألا يُقبل منهم |
---|---|
ولما ذكر مسارعتهم إلى الخيرات وسبقهم إليها، ربما وهم واهم أن المطلوب منهم ومن غيرهم أمر غير مقدور أو متعسر، أخبر تعالى أنه لا يكلف { نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا } أي: بقدر ما تسعه، ويفضل من قوتها عنه، ليس مما يستوعب قوتها، رحمة منه وحكمة، لتيسير طريق الوصول إليه، ولتعمر جادة السالكين في كل وقت إليه | يقول سيدي أحمد بن عجيبة رضي الله عنه : ذكر في هذه الآية أربعة أوصاف من أوصاف المقربين، أولها: الخوف والإشفاق من الطرد والإبعاد، والثاني: الإيمان الذي لا يبقى معه شك ولا وَهْم، بما تضمنته الآيات التنزيلية من الوعد والإيعاد، والثالث: التوحيد الذي لا يبقى معه شرك جلي ولا خفي، والرابع: السخاء والكرم، مع رؤية التقصير فيما يعطي |
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: يُؤْتُونَ مَا آتَوْا ينفقون ما أنفقوا.
16يقول تعالى مخبرًا عن عدله في شرعه على عباده في الدنيا:أنه لا يكلف نفسًا إلا وسعها، أي:إلا ما تطيق حمله والقيام به، وأنه يوم القيامة يحاسبهم بأعمالهم التي كتبها عليهم في كتاب مسطور لا يضيع منه شيء؛ ولهذا قال: وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ يعني:كتاب الأعمال، وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ أي:لا يبخسون من الخير شيئا، وأما السيئات فيعفو ويصفح عن كثير منها لعباده المؤمنين | هذه الآية عائشة رضي الله عنها وهذا فيه فائدة كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يفسّر القرآن للصحابة، هل كان يفسر كل الآيات؟ أم كان يفسر الآيات التي تشكل عليهم أم كان يصحح أخطاء الفهم التي يقع فيها الصحابة؟ الصحيح فعلاً أنه لم يفسّر كل القرآن لأن القرآن نزل على قوم فُصحاء الألسنة، عرب، فالقرآن عربي يفهمه العربي، هناك أحياناً أخطاء في الفهم يصوّبها |
---|---|
فمن جمع هذه الخصال كان من السابقين في الخيرات ويُسارع لهم في تعجيل الخيرات، وكل ذلك بقدر ما يطيق العبد، مع بذل المجهود في فعل الخيرات | وقوله: مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ :في تفسيره قولان، أحدهما:أن مستكبرين حال منهم حين نكوصهم عن الحق وإبائهم إياه، استكبارًا عليه واحتقارًا له ولأهله، فعلى هذا الضمير في بِهِ فيه ثلاثة أقوال: أحدهما :أنه الحرم بمكة، ذموا لأنهم كانوا يسمرون بالهُجْر من الكلام |
يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله — بعد أن قسم الخوف إلى ثلاثة أحوال: اعتدال، وتقصير، وإفراط - : " وأما المُفْرِط فإنه الذي يقوى ويجاوز حد الاعتدال حتى يخرج إلى اليأس والقنوط ، وهو مذموم أيضاً ؛ لأنه يمنع من العمل ، وقد يَخرُج الخوف أيضاً إلى المرض والضعف ، وإلى الوله والدهشة وزوال العقل ، فالمراد من الخوف هو المراد من السوط ، وهو الحمل على العمل ، ولولاه لما كان الخوف كمالا.
1